من دون استإذان يدخل، سريع الحركة، كثير الكلام، في جعبته دائماً الخبر، وعندما ينشره يعيد تكراره، يثبته في عقولنا لكن بطريقة مختلفة، ممزوجة بضحكة كما ضحكات الرسوم المتحركة، إنها ماركة مسجلة بإسمه تماماً كما صوت صهريج الماء، وهدير “اشكمان” السيارة التي تمر يومياً بجانب منزلي وتستفزني.
السؤال الأول الذي تطرحه عندما تراه “كيف بُترت يده؟”، تعطف على سؤالك تعجب أخر “ماذا كانت ردة فعله!”.
علمت ان يده بُترت في العمل بحادث مخيف خرج من بخسارة ما تبقى من عقله، أصبح هزيلاً أكثر، وبالتأكيد كثير الفرح لأنه قليلاً ما يفكر.
كانت ملامحه الكرتونية مادة دسمة لجميع الموظفين حتى نحن المدراء الذين لا يجب علينا الضحك أمامهم للحفاظ على الهيبة، إلا أنه كان نقطة ضعفنا، ونقطة ضعف صاحب الشركة.
نضال ثلاثيني العمر يعرّف عن نفسه بكلمة “لاجئ” اي من الجالية الفلسطينية في لبنان، يدمج كلمته المعتادة بتعابير في الوجه تحكي معاناة كل فلسطين، تعابير وجهه الكرتوني تتحول عند كل من يعرفه الى مادة مشتركة ليعبر بها عن نفسه، فعندما تفرح بشدة من الممكن ات تضحك وتفتح فمك وتصدح وتضع كفك عليه كنضال، ليعلم الجميع انك فرح للغاية.. فرح من دون تفكير.
من يعرف نضال وشخصيته غير المحورية في العمل والبسيطة التفكير يتفاجأ بأنه يشكل حالة لا يمكنك تجاهلها، ربما السبب لا يعود لذلك القميص المزركش، والبنطال المسدول ارضاً الذان لم نراه بغيرهما، لكن روتينيته اليومية أصبحت شيئاً من حياتنا، تماماً كفنجان قهوة الصباح.
يستقبلك صباحاً بعبارات الغزل، يصيب بإلقائه تحية الصباح حرف أو حرفين من أحرف الابجدية، والباقي يخرج من فمه بطريقته الخاصة ربما أهضم بكثير مما تصور، تلقائياً تضحك أو بالأحرى تنتظر كلماته كي تضحك تماما كما تنتظر ابتسامة طفل رضيع.
يتنقل بين الموظفين يحمل اوراقاً تحت “باط” يده المبتورة، يوزعها عليهم، يبدأ دائماً من عند “سهى” التي لطالما طلب يدها للزواج ورفضت، ولربما ان اقتربت منه حين يسلمها الورقة لسمعته يردد “ما بدك تتزوزيني؟”، ترد “سهى” الملقبة عندنا بـ”المجنونة” بسبب عصبيتها وهمومها اليومية وتوترها الدائم بكلمات الرفض الممزوجة بتعابير العصبية، ربما تتذكر ان نضال هو الوحيد من بين كل العالم من طلبها للزواج.
طوال دوامه يتنقل بين المكاتب، يختلس دقيقة من عمله ويروي علينا بعض النكات، يخصص النكتة الجديدة للفتيات الجميلات علّه يحصل على رضى احداهن وتقبل الزواج منه، ويعيد علينا ما سرده قبل يوم.
قبل عامين تقريباً دخل الى الشركة، بيده ألبوم صور، وتغلغل بين الموظفين، رأيتهم من مكتبي يضحكون كثيراً، ترجلت الى مكاتبهم، واقتربت، ترك نضال الجمع وتقدم نحوي وقال: “باركلي خطبت”، ضحكت كثيراً لا على الخبر على التعابير التي رأيتها على وجهه تماماً كتعابير الفائزة بلقب ملكة الجمال “بريق عينان، دلع، خجل، واحمرار وجه”.
هو لا يقدم ولا يؤخر وان غاب لا تطلب بديلاً ليقوم بعمله، لن يكتشف المريخ ولا حتى سيجد حلاً لمشكلة طبقة الاوزون، شخصية غير محورية، لكن نضال بالتأكيد مزحة اختارتها الحياة لتلطف علينا محيطنا، لترسم على وجهنا ابتسامة في عز التعب، لنتذكرها من حين الى أخر ونضحك… نضحك من قلبنا لأننا نتشابه أحياناً، فكل منا يحمل بداخله نضال يخبئه عن الناس، ويطلق عنانه في غرفته المقفلة ليلاً، في المصعد عندما يكون وحيداً، في حديثه عن الحب والحبيب بينه وبين ذاته، بشعور كل منا الطفولي وأنت تغمر والدتك…هذا الشيء اللطيف الطفولي الصادق..المخفي في الشخصية يدعى نضال.